الأستاذ راشد الغنوشي والصعود الى الهاوية
قراءة وتحليل : محمد البشير إسماعيل
اليوم... وليس غدا... إقتنعت بأن انسحابي من حركة النهضة (الإتجاه الإسلامي سابقا) أواخر ثمانينات القرن الماضي،، كان قرارا صائبا، بل أستطيع الجزم بأنه كان قرارا إستباقيا، أكدت الأحداث صوابه،، ولن أعود هنا، الى سرد محاولات بعض "الأخوة" لإثنائي عن قراري...
ولعّل بنعيسى الدمني، حمادي الجبالي، وعبد الله الزواري، وعلي العريض، وغيرهم كثر... يكفونني متاعب الرجوع الى شرح الأمر، فأنا على يقين بأنهم أدركوا ـ بعد وقوع الفأس في الرأس ـ أنني كنت اتخذت القرار الأصوب،، فهم علموا بالحقيقة وجحدوها، ورأوا المنكر وسكتوا عنه،، ويدرون طبعا، أن الساكت عن الحق.. هو شيطان أخرس، وقد رفضت أن أكون مثلهم ذلك الشيطان الأخرس.
جماعة النكبة.. وجماعة النهبة :
بعد المواجهة التي فرضها الأستاذ راشد،، من منفاه الاختياري بالجزائر،، تحت شعار فرض الحريات بتونس... تفرق أتباع حركة النهضة الى فريقين، الأول يمثل أعضاء الداخل، وهم من دفع فاتورة أخطاء الغنوشي، وكابدوا المعاناة من سوء تقديره، وإصراره المتكرر، على المضي في خيار المواجهة مع السلطة.
أما الفريق الثاني، فهم الذين استشعروا مخاطر المواجهة، وخيروا ترتيب فرارهم الى الخارج، ويعرفون بجماعة المهجر، الذين أعاد راشد جمع شتات من بقي منهم على ولائه، وإنخرط بهم في مرحلة استثنائية تحدّت القانون الأساسي للحركة... فأدرجهم ضمن مؤسسات تنظيمية، وعقد بهم مؤتمرات، شرّع فيها ديمومة الإمارة لنفسه، ثم طفق يجمع أموال الخيرين، ويستثمر مدخرات المهجّرين والمشردين،، بداعي التكافل ومساعدة عائلات الداخل...
دون أن يفوتني هنا،، أن أشير ـ ولو تلميحا ـ الى ما غنمه الغنوشي والمقربون منه، من منافع جمّة، تترجمها بحبوحة العيش التي ينعم بها وعائلته وأصهاره في عاصمة الضباب لندن، بفضل ما تدره عليه المشاريع التي بعثها لحسابه الخاص، تحت مظلة استثمار الأموال المرصودة لعائلات المساجين والمسرحين...
وهكذا،، توزعت البقية الباقية من أعضاء الحركة بين مجموعة الداخل وتسمّى "جماعة النكبة "، ومجموعة المهجر وتسمّى "بجماعة النهبة "، الذين يطلق عليهم البعض ـ تهكما واستنقاصا ـ تسمية جماعة "المهبة "، على معنى العطايا المالية التي يتحصل عليها الأطفال في الأعياد الدينية.
الجماعة بين الإستقطاب والإحتطاب :
ولا ينكر إلا من يكون فاسقا،، أن المواجهات الثلاث التي اقتحمتها الحركة سنوات 1981 و1987 و1991 ،، كانت بتخطيط من الأستاذ راشد شخصيا، وبمباركة المقربين منه وأصحاب المشورة عنده،، وإني لا ازال أتذكر ما أسرّ لنا به "الشيخ" ربيع سنة 1981 في إحدى مساجد الساحل، بخصوص إختياره لتوقيت الإعلان عن حركة الاتجاه الاسلامي.. " يستعرفوا بينا، وإلا يعرفوا بينا ".. أي أنه سيضع السلطة أما خيارين، لا مناص منهما، إما الاعتراف بالحركة، وهو خيار أشبه بالمستحيل،، وإما التعريف بها من خلال شن حملة إيقافات ومحاكمات،، وهو الخيار الذي كان يرتضيه في الحقيقة، ذلك أن المحاكمات.. "ستعرف بنا، وتضعنا في واجهة الأحداث" على حدّ قوله...
ولا أنسى،، ما قاله لنا كذلك، إحدى أيام سنة1987 في منزله بضاحية بنعروس من أن " الزرع طاب وجاء وقت الحصاد" ،، في إستعارة قبيحة لمقولة الحجاج بن يوسف حين خاطب أهل العراق، فقال فيهم : إني أرى رؤوسا قد أينعت وحان وقت قطافها... ولا أنسى أيضا، ما بلغني أوائل سنة 1991 من استبشاره وهو في الجزائر، بسيول الدماء التي نزفت، ودفعه لسقوط المزيد من الضحايا... لكن، ولحكمة إلهية، سفّه القدر أحلامه، وأحبطت نواياه.
ورغم كل ذلك،، لم يتعظ الأستاذ الغنوشي، بل واصل الهروب نحو غياهب المجهول، فدخل في تجارب خارجية مستهجنة، مع جماعة الجبهة الاسلامية للإنقاذ في الجزائر، وجماعة حسن الترابي، وأسامة بن لادن إبان تواجده في السودان، ومع جماعات برهان الدين رباني وحركة طالبان والشيخ أحمد بالباكستان وأفغانستان...
ثم، عاد من جديد، ليرتمي في أحضان من كان يسميهم بالأمس القريب، ملحدون،، وأعداء مبدئيون،، من جماعة اليسار أمثال حمة الهمامي وزوجته راضية النصراوي، والمختار الطريفي، وكمال الجندوبي... وبقايا الليبراليين على غرار منصف المرزوقي وغيره... ليدخل مع كل هؤلاء في تحالفات مركبة وهجينة، ويدفع بأتباعه للإنصهار في تجربة الهيئة الأكتوبرية... التي ولدت ميتة.
وبعد كل هذا وذاك، اندس " شيخنا " في أحضان السيد نجيب الشابي، فاجتاح أتباعه مؤسسات الحزب الديمقراطي التقدمي، التي انقلبت منبرا للأطروحات الإخوانية، والمطالب النهضوية التي تقوم أساسا على المطالبة بسن عفو تشريعي عام، وفتح باب التنظم وتكوين الأحزاب،، كل ذلك مقابل تقديم هبات للشابي، ومساعدته على تحقيق أطماعه الشخصية، وإرضاء نزواته السياسية
ولابد هنا،، من الإشارة الى أن الأستاذ راشد لم يقطع مع "عادة حليمة القديمة"، فقد واصل الترويج لخطاب تحريضي، يدعو الى الفتنة، من خلال الإدعاء باطلا،، بوجود خطة لتجفيف منابع التدين، وإستهداف الإسلام بأرض الزيتونة، مصطنعا إفتراأت حول محاصرة " المتدينين "، ومروجا إشاعات حول تدنيس القرآن الكريم... وتنزيل فتاو كانت من نتائجها الدفع ببعض الشباب السلفي ـ ممن وصفهم بأنهم خيرة أبناء الصحوة في تونس ـ الى رفع السلاح ضد أبناء وطنهم، والتخطيط لعمليات إرهابية، أهمها ما حدث موفى سنة 2006 بالضاحية الجنوبية للعاصمة...
جماعة النهضة.. بين الإحتضار والإنتحار :
لا يختلف إثنان بأن الأوضاع داخل جماعة الغنوشي، رغم المساحيق وعمليات التجميل،، قد بلغت مرحلة الإحتضار، وأدركت خاتمة مشوارها، فهي في النزع الأخير من الموت الكلينيكي،، بعدما تقطعت السبل ببقاياها، وعمّت الفوضى هياكلها، وانتشر الوهن العقائدي في صفوفها، وأصبح بالتالي الإنحراف عن المبادئ والثوابت هو القاعدة، التي لا يشوبها إستثناء.
نعم،، لم يبق من التنظيم سوى خراب، ينعق البوم بين أطلاله، بعدما جثم الغنوشي على ركامه، ولم يعد له من خيار ـ منطقيا وواقعيا ـ سوى الإعلان بكل شجاعة ( إن توفرت فيه هذه الخصلة ) عن سوء تصرفه، وخطإ تقديراته، وفساد قيادته،، ثم المبادرة بحلّ ما تبقى من تنظيمه، لعل التاريخ يشفع له في خريف عمره،، ويسجل له حسنة تنفعه.
...لكن، ما خبرته شخصيا في "الشيخ" من مكابرة، وعناد، وإصرار على الضلال، قد يدفع به الى المراهنة بقوة، نحو الإستمرار في الانتحار الإختياري، بالعرق.. بالعرق، وهو ما دأب عليه منذ أن نصّب نفسه وصيا على الدين الحنيف.
وإني، أرجو أن أكون قد أسهمت من خلال هذه القراءة التحليلية المختصرة، في رفع الغشاوة عن عيون بعض الإخوة، وشاركت في تثبيت دعوات الإصلاح، والعودة الى الرشاد التي سبقتني إليها بعض القيادات في الداخل والمهجر.
والله نعم المولى،، ونعم النصير...
25 أكتوبر 2008
قراءة وتحليل : محمد البشير إسماعيل
اليوم... وليس غدا... إقتنعت بأن انسحابي من حركة النهضة (الإتجاه الإسلامي سابقا) أواخر ثمانينات القرن الماضي،، كان قرارا صائبا، بل أستطيع الجزم بأنه كان قرارا إستباقيا، أكدت الأحداث صوابه،، ولن أعود هنا، الى سرد محاولات بعض "الأخوة" لإثنائي عن قراري...
ولعّل بنعيسى الدمني، حمادي الجبالي، وعبد الله الزواري، وعلي العريض، وغيرهم كثر... يكفونني متاعب الرجوع الى شرح الأمر، فأنا على يقين بأنهم أدركوا ـ بعد وقوع الفأس في الرأس ـ أنني كنت اتخذت القرار الأصوب،، فهم علموا بالحقيقة وجحدوها، ورأوا المنكر وسكتوا عنه،، ويدرون طبعا، أن الساكت عن الحق.. هو شيطان أخرس، وقد رفضت أن أكون مثلهم ذلك الشيطان الأخرس.
جماعة النكبة.. وجماعة النهبة :
بعد المواجهة التي فرضها الأستاذ راشد،، من منفاه الاختياري بالجزائر،، تحت شعار فرض الحريات بتونس... تفرق أتباع حركة النهضة الى فريقين، الأول يمثل أعضاء الداخل، وهم من دفع فاتورة أخطاء الغنوشي، وكابدوا المعاناة من سوء تقديره، وإصراره المتكرر، على المضي في خيار المواجهة مع السلطة.
أما الفريق الثاني، فهم الذين استشعروا مخاطر المواجهة، وخيروا ترتيب فرارهم الى الخارج، ويعرفون بجماعة المهجر، الذين أعاد راشد جمع شتات من بقي منهم على ولائه، وإنخرط بهم في مرحلة استثنائية تحدّت القانون الأساسي للحركة... فأدرجهم ضمن مؤسسات تنظيمية، وعقد بهم مؤتمرات، شرّع فيها ديمومة الإمارة لنفسه، ثم طفق يجمع أموال الخيرين، ويستثمر مدخرات المهجّرين والمشردين،، بداعي التكافل ومساعدة عائلات الداخل...
دون أن يفوتني هنا،، أن أشير ـ ولو تلميحا ـ الى ما غنمه الغنوشي والمقربون منه، من منافع جمّة، تترجمها بحبوحة العيش التي ينعم بها وعائلته وأصهاره في عاصمة الضباب لندن، بفضل ما تدره عليه المشاريع التي بعثها لحسابه الخاص، تحت مظلة استثمار الأموال المرصودة لعائلات المساجين والمسرحين...
وهكذا،، توزعت البقية الباقية من أعضاء الحركة بين مجموعة الداخل وتسمّى "جماعة النكبة "، ومجموعة المهجر وتسمّى "بجماعة النهبة "، الذين يطلق عليهم البعض ـ تهكما واستنقاصا ـ تسمية جماعة "المهبة "، على معنى العطايا المالية التي يتحصل عليها الأطفال في الأعياد الدينية.
الجماعة بين الإستقطاب والإحتطاب :
ولا ينكر إلا من يكون فاسقا،، أن المواجهات الثلاث التي اقتحمتها الحركة سنوات 1981 و1987 و1991 ،، كانت بتخطيط من الأستاذ راشد شخصيا، وبمباركة المقربين منه وأصحاب المشورة عنده،، وإني لا ازال أتذكر ما أسرّ لنا به "الشيخ" ربيع سنة 1981 في إحدى مساجد الساحل، بخصوص إختياره لتوقيت الإعلان عن حركة الاتجاه الاسلامي.. " يستعرفوا بينا، وإلا يعرفوا بينا ".. أي أنه سيضع السلطة أما خيارين، لا مناص منهما، إما الاعتراف بالحركة، وهو خيار أشبه بالمستحيل،، وإما التعريف بها من خلال شن حملة إيقافات ومحاكمات،، وهو الخيار الذي كان يرتضيه في الحقيقة، ذلك أن المحاكمات.. "ستعرف بنا، وتضعنا في واجهة الأحداث" على حدّ قوله...
ولا أنسى،، ما قاله لنا كذلك، إحدى أيام سنة1987 في منزله بضاحية بنعروس من أن " الزرع طاب وجاء وقت الحصاد" ،، في إستعارة قبيحة لمقولة الحجاج بن يوسف حين خاطب أهل العراق، فقال فيهم : إني أرى رؤوسا قد أينعت وحان وقت قطافها... ولا أنسى أيضا، ما بلغني أوائل سنة 1991 من استبشاره وهو في الجزائر، بسيول الدماء التي نزفت، ودفعه لسقوط المزيد من الضحايا... لكن، ولحكمة إلهية، سفّه القدر أحلامه، وأحبطت نواياه.
ورغم كل ذلك،، لم يتعظ الأستاذ الغنوشي، بل واصل الهروب نحو غياهب المجهول، فدخل في تجارب خارجية مستهجنة، مع جماعة الجبهة الاسلامية للإنقاذ في الجزائر، وجماعة حسن الترابي، وأسامة بن لادن إبان تواجده في السودان، ومع جماعات برهان الدين رباني وحركة طالبان والشيخ أحمد بالباكستان وأفغانستان...
ثم، عاد من جديد، ليرتمي في أحضان من كان يسميهم بالأمس القريب، ملحدون،، وأعداء مبدئيون،، من جماعة اليسار أمثال حمة الهمامي وزوجته راضية النصراوي، والمختار الطريفي، وكمال الجندوبي... وبقايا الليبراليين على غرار منصف المرزوقي وغيره... ليدخل مع كل هؤلاء في تحالفات مركبة وهجينة، ويدفع بأتباعه للإنصهار في تجربة الهيئة الأكتوبرية... التي ولدت ميتة.
وبعد كل هذا وذاك، اندس " شيخنا " في أحضان السيد نجيب الشابي، فاجتاح أتباعه مؤسسات الحزب الديمقراطي التقدمي، التي انقلبت منبرا للأطروحات الإخوانية، والمطالب النهضوية التي تقوم أساسا على المطالبة بسن عفو تشريعي عام، وفتح باب التنظم وتكوين الأحزاب،، كل ذلك مقابل تقديم هبات للشابي، ومساعدته على تحقيق أطماعه الشخصية، وإرضاء نزواته السياسية
ولابد هنا،، من الإشارة الى أن الأستاذ راشد لم يقطع مع "عادة حليمة القديمة"، فقد واصل الترويج لخطاب تحريضي، يدعو الى الفتنة، من خلال الإدعاء باطلا،، بوجود خطة لتجفيف منابع التدين، وإستهداف الإسلام بأرض الزيتونة، مصطنعا إفتراأت حول محاصرة " المتدينين "، ومروجا إشاعات حول تدنيس القرآن الكريم... وتنزيل فتاو كانت من نتائجها الدفع ببعض الشباب السلفي ـ ممن وصفهم بأنهم خيرة أبناء الصحوة في تونس ـ الى رفع السلاح ضد أبناء وطنهم، والتخطيط لعمليات إرهابية، أهمها ما حدث موفى سنة 2006 بالضاحية الجنوبية للعاصمة...
جماعة النهضة.. بين الإحتضار والإنتحار :
لا يختلف إثنان بأن الأوضاع داخل جماعة الغنوشي، رغم المساحيق وعمليات التجميل،، قد بلغت مرحلة الإحتضار، وأدركت خاتمة مشوارها، فهي في النزع الأخير من الموت الكلينيكي،، بعدما تقطعت السبل ببقاياها، وعمّت الفوضى هياكلها، وانتشر الوهن العقائدي في صفوفها، وأصبح بالتالي الإنحراف عن المبادئ والثوابت هو القاعدة، التي لا يشوبها إستثناء.
نعم،، لم يبق من التنظيم سوى خراب، ينعق البوم بين أطلاله، بعدما جثم الغنوشي على ركامه، ولم يعد له من خيار ـ منطقيا وواقعيا ـ سوى الإعلان بكل شجاعة ( إن توفرت فيه هذه الخصلة ) عن سوء تصرفه، وخطإ تقديراته، وفساد قيادته،، ثم المبادرة بحلّ ما تبقى من تنظيمه، لعل التاريخ يشفع له في خريف عمره،، ويسجل له حسنة تنفعه.
...لكن، ما خبرته شخصيا في "الشيخ" من مكابرة، وعناد، وإصرار على الضلال، قد يدفع به الى المراهنة بقوة، نحو الإستمرار في الانتحار الإختياري، بالعرق.. بالعرق، وهو ما دأب عليه منذ أن نصّب نفسه وصيا على الدين الحنيف.
وإني، أرجو أن أكون قد أسهمت من خلال هذه القراءة التحليلية المختصرة، في رفع الغشاوة عن عيون بعض الإخوة، وشاركت في تثبيت دعوات الإصلاح، والعودة الى الرشاد التي سبقتني إليها بعض القيادات في الداخل والمهجر.
والله نعم المولى،، ونعم النصير...
25 أكتوبر 2008
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire