بقلم الأستاذ : لطفي التلاتلي
سياسة دعاة الفتنة و الفرقة الدينية و الفوضى الاجتماعية لم تختلف قديما أو حديثا فإن سلاحهم الأول كان عبر التاريخ إذاعة قال فلان عن فلان عن بني فلان ويذاع الخبر بين فلان و بني فلان و إن كان لا أساس له من الصحة أما سلاحهم الثاني فالنبش في التاريخ بحثا عن كل ما من شأنه تأليب الناس بعضهم على بعض أو تأليبهم على حكامهم بالتقليل من قيمة الانجازات و تضخيم النقائص ثم هم مهرة في استغلال كل صغيرة لإشعال نار الفتنة و هذا ما يحاول الغنوشي وأنصاره و حلفائه من خلال توظيف أحداث بنقردان كما وظفت أحداث قفصة من قبل و هذه السياسة التي يتبعها المتسترون بالدين هي التي كانت قديما وراء مقتل عثمان بن عفان و هو يقرأ القرآن و بنفس هذه السياسة أُشعلت نار الفتنة بين علي و معاوية و المصيبة أن الكل يدعي أنه من حماة الدين و أنصاره و أن مخالفيه على بدعة و ضلالة إن ما دفعني إلى هذه المقدمة هو التمهيد لنقد المقال الذي نشر على الجزيرة نت لراشد الغنوشي بتاريخ 5 نوفمبر 2010 و الذي لم يأت فيه صاحبه بجديد سوى توظيف أحداث مدينة بنقردان لاجترار الاسطوانة التي اعتدنا سماعها منه و المتمثلة في سرد تاريخي فيه الكثير من المغالطات و ذلك نتيجة تجزئة الأحداث التاريخية و عدم ربط الأسباب بالمسببات و عدم الإشارة إلى خصوصيات كل مرحلة تاريخية يتحدث عنها و محاولة إخفاء و تجاوز بعض الحقائق و هدفه من كل ذلك إظهار نفسه و أتباعه ممن يتمتعون برغد العيش في الدول الأوروبية و الخليجية في صورة الضحية في حين أن الضحية الحقيقية هم أولئك الشباب التلميذي أو شباب الأحياء الشعبية الذين وقع و يقع التغرير بهم في مقتبل العمر باسم الإسلام و الذين دفعوا بعد عملية غسل أدمغة إلى التصادم مع كل من حولهم ممن يخالفهم التوجه و الفكر في الداخل و الخارج . إن القراءات التاريخية المجزأة لراشد الغنوشي كان بالإمكان أن تنطلي علينا لو كانت تخص تاريخ الأولين أو تاريخ الخلافة الراشدة و الفتن من عهد أبي بكر الصديق إلى عثمان بن عفان إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين إلى الخلافة الأموية و العباسية و المماليك و الخلافة العثملنية التي أدخلت عليها التيارات الدينية المختلفة عبر التاريخ قديما و حديثا الكثير من الإسرائيليات و الكثير من الأكاذيب مما يجعلها اليوم في حاجة إلى المراجعة بفكر نقدي بعيدا عن كل التيارات الدينية التي كانت وبالا على الإسلام و على التاريخ و المجتمعات الإسلامية إن راشد الغنوشي في مقاله ما زال يتحدث بلغة القبلية و العروشية و الجهويات و التي كان للزعيم الراحل السيد الحبيب بورقيبة الفضل في القضاء عليها و استبدالها بمفهوم الدولة العصرية و بمفهوم المواطنة التي يشيد بها الغنوشي عندما يتحدث عن المجتمع البريطاني في حين يتجنب استعمال هذا المصطلح – المواطنة - عندما يتحدث عن بلده تونس أو عن البلدان العربية نقول للغنوشي كفي كذبا و افتراء فإن اختيارات تونس الرئيس بن علي الإقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية لم تكن في يوم من الأيام فاشلة كما تدَّعون في مقالكم بل إن كل المنظمات الدولية و المنتديات الاقتصادية أشادت بها و وصفها بعضهم بالمعجزة الاقتصادية وهي كذلك رغم محاولتك و حلفائك من يساريين و شيوعيين إنكار ذلك فلا أحد عداكم ينكر أن تونس في حكم سيادة الرئيس زين العابدين بن علي رغم قلة الموارد و الثروات الطبيعية استطاعت الصمود و تجاوز الأزمات العالمية المتتالية في العشرية الأخيرة كأزمة الطاقة التي ارتفع فيها برميل النفط من 25 دولار إلى 150 دولار و الأزمة المالية و أزمة العقارات و الأزمة الغذائية التي تضاعفت خلالها أسعار القمح و الذرة و غيرهما من المواد الغذائية الأساسية إن هذه الأزمات التي مست أقوى اقتصاديات العالم و في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية و اليونان و ايطاليا و ألمانيا و فرنسا و إسبانيا و غيرها من الدول الكبرى و ما كانت لتونس أن تتجاوز هذه الأزمات بسلام لولا صواب خياراتها و صواب مخططاتها التنموية . في كل مقال له يشير الغنوشي كحلفائه إلى مسألة البطالة البالغة 14 بالمائة في تونس نجيب الغنوشي بالقول يمكنه الاطلاع على نسب البطالة هذه الأيام في الولايات المتحدة الأمريكية و في الاتحاد الأوروبي التي لم تنزل عن 9 بالمائة رغم أن هذه الدول تمر اليوم بمرحلة تهرم سكاني عكس البلاد التونسية التي تمر بفترة لم تشهدها من قبل إذ أن هرم سكانها معظمه من الشباب و الكهول الذين هم في سن الشغل مما جعل الاقتصاد التونسي لا يستطيع استيعاب كل طالبي الشغل رغم أن نسبة النمو التي لم تنزل عن معدل 5 بالمائة في السنوات الماضية ثم إن البطالة في تونس هي من نوع خاص هي بطالة أصحاب الشهائد و رغم ذلك فإن الدولة التونسية ما انفكت تتخذ كل الإجراءات للحد من أزمة البطالة و لمساعدة أصحاب الشهائد العلمية من الانتصاب للحساب الخاص و في المقابل نرى دعاة الفتنة ممن اتخذوا قواعد في الدول الأوروبية يسعون إلى المس بالأمن القومي التونسي و بالاضرار بمصالح التونسيين بالدعوة إلى مقاطعة السياحة التونسية و دخول أطراف مناوئة من دعاة الفرقة و الظلامية لتعكير الأجواء بين الليبيين و التونسيين بافتعال بعض الأحداث المنعزلة في بنقردان و ها هو الغنوشي في مقاله كالمنصف المرزوقي و غيرهما من الطابور الخامس كان يتمنى لو دامت الاضطرابات في بنقردان أسبوعا آخر لتمتد إلى بقية مدن الجنوب و الوسط و قد سبق لمنصف المرزوقي على أعمدة الجزيرة نت تمني نفس ما تمناه الغنوشي و لكن محاولاتهم الدنيئة في بنقردان باءت بالفشل كمحاولتهم الدنيئة السابقة بقفصة أما مسألة الفقر التي أشار إليها الغنوشي فنقول له إن نسبة الفقر في تونس لا تتعدى 3.8 بالمائة و هؤلاء يلقون يد العون من الدولة التونسية الدولة التي كرَّست مفهوم التضامن في أبهى حلله و إن كان الغنوشي يريد التحدث عن الفقر فليتحدث عن الفقر في تلك الدول التي يقودها انقلابيون إسلاميون كالصومال و أفغانستان و السودان و التي كان المتاجرون بالدين سبب بلائها و بليتها بسببهم جوِّع و شرِّد أهلها باسم الإسلام و الإسلام من كل أعمالهم براء. إن تونس حافظت على هويتها العربية الإسلامية دون تعصب أو انغلاق رافضة إدخال الدين حلبة اللعبة السياسية فالإسلام هو قاسم مشترك لكل التونسيين و ليت الغنوشي يجيب عن هذه الأسئلة إن سُمح فرضا و هذا لن يكون و لا نقبله كتونسيين لما يسمي حركة النهضة بالنشاط السياسي على أساس ديني أفلا يحق للأقلية المسيحية أن يكون لها حزبها أو أحزابها و للأقلية اليهودية أن يكون لها حزبها أو أحزابها ثم ألم ينقسم المسلمون منذ وفاة الرسول محمد صلى الله عليه و سلم إلى ملل و نحل كل نحلة لها فهما الخاص للإسلام و لها فهمها الخاص للنص الديني أنسمح للكل بالنشاط السياسي و ندخل البلاد في صراع ديانات و صراع مذاهب و صراع إيمان وكفر و منزلة بين المنزلتين
أينكر الغنوشي أن المساجد التي بنيت في عهد التغيير قد فاقت ما بني من مساجد في تونس منذ الفتح الإسلامي إلى ما قبل التحول أينكر الغنوشي أن تونس بن علي قد أعادت لتونس بعدها العربي الإسلامي و أعادت للدين الإسلامي اعتباره و للغة العربية اعتبارها كما تصدَّت للفكر الظلامي الذي حاول توظيف الدين للوصول إلى السلطة بعد إفراغه من قيمه و مبادئه النبيلة السمحة . أما في خصوص ما يطلق عليهم الغنوشي و حلفاءه بالمتنفذين الذين يقول الغنوشي أنهم استحوذوا على السوق الداخلية و مسالك التوزيع فنقول هم مواطنين كغيرهم من التونسيين الذين ينحدرون إما من عائلات ثرية معروفة منذ أجيال و أجيال بنشاطها على الساحة المالية و الاقتصادية التونسية أو هم ممن ساعدتهم الأوضاع الإقتصادية و المناخ العام في تونس التحول المشجع للاستثمارات الداخلية و الخارجية على تكوين ثروة بالطرق المشروعة و مما يبرهن على وطنية ما يسميهم الغنوشي و حلفاءه بالمتنفذين أنهم استثمروا أموالهم في تونس فخلقوا بذلك مواطن الشغل و ساهموا في التقليص من نسبة البطالة و نشَّطوا الحركة الاقتصادية بالبلاد كما ساهمت مشاريع بعض من يطلق عليهم الغنوشي أو من ولاه المتنفذين لإثارة الحزازيات و الفتنة التي هي أشد من القتل و لشحن الأجواء لبث الحقد و الكراهية بين أبناء الوطن الواحد في الضغط على الأسعار و جودة الخدمات المقدمة للمواطنين إن من يطلق عليهم الغنوشي المتنفذين لم يهرِّبوا أموالهم إلى الخارج و لم يهاجروا خوفا من المحاسبة بل إن سجلاتهم نظيفة و هم يقومون بأنشطتهم في واضح النهار بكل شفافية و نزاهة و يدفعون ما عليهم من ضرائب أما إذا أردنا أن نتحدث بأكثر صراحة فنقول إن ما يسمى حركة النهضة عبر بعض أتباعها و مؤيديها في تونس و خارجها هم من يحاولون فعلا الاستحواذ على مسالك التوزيع و على النشاط التجاري علهم يتحكمون في قوت المواطن العادي فيساومونه عليه مقابل الرضوخ لفكرهم المِعوَج كما تفعل الآن حركة الإخوان المسلمين في مصر إن بعض الفقاقيع هنا و هناك من أنصار الغنوشي هم الذين يسعون فعلا لتخريب الاقتصاد تارة بالدعوة إلى مقاطعة السياحة و تارة أخرى بالمساهمة في حملة تشويه حتى لا تمنح تونس امتيازات اقتصادية من الاتحاد الأوروبي، إن بعض الإسلامويين اليوم في تونس هم الذين يتبعون طريقة البيع المشروط و هم من يتهرب من دفع الضرائب على أنشطتهم التجارية و الاقتصادية و هم من أنشأوا شبكات تهريب البشر و البضائع في بعض المناطق الحدودية و هم من يخزِّن بعض المواد الغذائية الحيوية بغية الاحتكار و الرفع في أسعارها للثراء السريع على حساب المواطنين و لإدخال الاضطراب على الحركة الاقتصادية بغية شحن الأجواء الاجتماعية إذ هم تعودوا كحلفائهم من اليسار المتطرف عدم النشاط إلا في الأجواء المشحونة و ما يطلق عليهم الغنوشي المتنفذين و أصحاب رؤوس الأموال التونسية الوطنيين إلى جانب الدولة هم من وقف و سيقف حاجزا أمام مخطَّطات المناوئين الساعين إلى التحكم في مسالك التوزيع و الدورة الاقتصادية و التجارية . أما مسألة التداول على السلطة إن كانت تعني تغيير أشخاص من المواقع القيادية فكان الأولى بالغنوشي التنحي من على رأس ما يسمى حركة النهضة و فسح الطريق لغيره للزعامة إن التداول على السلطة يعنى في النظام الديمقراطي- الذي لا يعترف به الغنوشي و أتباعه بل يناورون به فحسب لغاية مفضوحة في نفس الغنوشي و أتباعه - احتكام كل الأحزاب القانونية في الدولة إلى صناديق الاقتراع و مَهْمَا كان المرشح فهو لا يمثل نفسه بل هو يمثل الحزب الذي ينتمي إليه و يسعى عند الفوز بثقة الناخبين إلى تطبيق برامج و توجهات الحزب الذي رشَّحه ثم إن تنقيح الدستور أو سن قوانين جديدة هو من مشمولات الشعب عبر الاستفتاء الحر المباشر و عبر نواب الشعب المنتخبين فإذا وضع الشعب ثقته في شخص دون آخرين و في حزب دون بقية الأحزاب فلذلك أسبابه و مبرراته فسيادة الرئيس زين العابدين بن علي هو صاحب الوعود الصادقة و هو صاحب البرامج المنجزة و هو الذي كرَّس حقوق الإنسان في ترابطها و تكاملها و جعلها الواقع المعيش لكل التونسين و هو الذي تصدى للفكر الظلامي و لدعاة الفرقة و العنصرية من المتاجرين بالدين و ذلك هو خيار التونسيين الذين يرفضون المزايدة بالقواسم المشتركة و في مقدمتها الدين الإسلامي فنحن في تونس مسلمين و نطبق تعاليم الإسلام و مقاصده كما نحترم الأقلية المسيحية و اليهودية و نحترم العلمانيين الذين لا يدينون بدين في تونس فهم مواطنون تونسيون لهم ما لنا و عليهم ما علينا .أما الفهم السياسي للإسلام لما يسمى حركة النهضة أو غيرها من المتاجرين بالدين فهو عبارة عن اجتهاد بشري لمجموعة تريد السلطة بامتطاء الإسلام و باللَّعب على الوتر الديني الجياَّش في أنفس كل التونسيين فلا يلزم غيرهم كما أن هذا الفهم هو بعيد عن الواقع و لا يخلِّف إلا التناحر و الفرقة و الاستبداد و الإقصاء و التهميش و السودان و الصومال و أفغانستان و باكستان و فلسطين ( حماس و الجهاد و السلطة الفلسطينية بقيادة فتح )كلها شاهد على دموية و وحشية تيارات ارتدت رداء الإسلام و تعمل بتعاليم منافية لكل الشرائع سماوية كانت أو وضعية .أما بخصوص المعارضة التونسية التي يصفها الغنوشي بالواهية فنقول هي معارضة فتية و لكن ميزتها أنها وطنية و ترفض الولاء لأي جهة أجنبية وهي ترفض التلاعب بالمصالح الحيوية للبلاد و هي كالتجمع الدستوري الديمقراطي و كالشعب التونسي ترفض قيام أحزاب دينية و هي تقدم مصلحة تونس و الشعب التونسي على مصالحها الحزبية الضيقة و هذه الأحزاب تكبر و تنمو اليوم تلو الآخر و لها تواجد على الساحة السياسية التونسية و هي تُشَرَّك و تُسْتَشَار في اتخاذ القرارات .إن علاقة الوفاق لا الشقاق التي تسود بين التجمع و أحزاب المعارضة الوطنية هي نفس علاقة الوفاق التي تسود السلط الثلاث في تونس فرغم استقلال كل سلطة عن بقية السلط فإن عملها يتكامل و يشترط لأداء هذه السلط وظائفها على أحسن وجه أن تكون متعاونة فيما بينها و مما زاد هذه العلاقة بين السلط متانة و تكاملا في تونس و هذا هو المطلوب أن أغلبية أعضاء مجلس النواب المنتخبين من الشعب هم تجمعيون مما يجعل تونس تنعم بالأمن و الاستقرار و دولة يستطاب فيها العيش إن الغنوشي و المتحالفين معه اعتادوا التحرُّك في الأجواء المشحونة و في الصدام مع كل من حولهم إن مثال العلاقة الذي يحبذها الغنوشي و حلفاءه أن تسود الفرقة بين السلط الثلاث في الدولة التونسية وهو مثال بعض السلط في بعض الدول العربية التي دخلها الإسلاميون فكثر فيها النفاق والشقاق و الانقلاب على الشرعية و على السلطة التنفيذية كما هو الحال الآن في فلسطين. و إذا أراد الغنوشي أو غيره التحدث عن التفاوت الجهوي في دولة من الدول فعليه التحدث عن أسبابه المتعدِّدة من مناخ و جغرافيا و تاريخ و تركيبة سكانية ثم تأتي الأسباب السياسية و إذا أردنا التحدث عن الأسباب السياسية نقول السياسة التنموية في تونس التغيير تتميز بالشمول فهي لا تستثني آية جهة من جهات البلاد فلا إقصاء و لا تهميش جهوي مع الرئيس زين العابدين بن علي و يمكن للغنوشي الإطلاع على الإجراءات الرئاسية المتخذة لولاية مدنين و بما فيها مدينة بنقردان في الاجتماع الخاص بولاية مدنين بتاريخ جانفي 2010 لدفع التنمية بهذه الجهة كأي جهة أخرى من مناطق الجمهورية التونسية بل إن منطقة الوسط و الجنوب هي مناطق ذات أولوية في السياسات التنموية التونسية .
إن المسيرة الموفقة لتونس التحول ستستمر و إن نجاحات تونس التغيير ستتواصل و إن الشعب التونسي عازم على رفع كل التحديات التي يفرضها الوضع العالمي المتقلب الذي يشهد الأزمة تلو الأخرى و في ظل التغيرات الديمغرافية الغير مسبوقة في تونس القرن الواحد و العشرين .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire